فصل: المسألة الثانية: كلمة {إن} في اللغة للشرط:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الفخر:

أما قوله تعالى: {إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ الله} ففيه مسألتان:

.المسألة الأولى: في معنى {إِن ظَنَّا}:

قال كثير من المفسرين {إِن ظَنَّا} أي إن علما وأيقنا أنهما يقيمان حدود الله، وهذا القول ضعيف من وجوه أحدها: أنك لا تقول: علمت أن يقوم زيد ولكن علمت أنه يقوم زيد والثاني: أن الإنسان لا يعلم ما في القدر وإنما يظنه والثالث: أنه بمنزلة قوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدّهِنَّ فِي ذلك إِنْ أَرَادُواْ إصلاحا} [البقرة: 228] فإن المعتبر هناك الظن فكذا ههنا، وإذا بطل هذا القول فالمراد منه نفس الظن، أي متى حصل هذا الظن، وحصل لهما العزم على إقامة حدود الله، حسنت هذه المراجعة ومتى لم يحصل هذا الظن وخافا عند المراجعة من نشوز منها أو إضرار منه فالمراجعة تحرم.

.المسألة الثانية: كلمة {إن} في اللغة للشرط:

والمعلق بالشرط عدم عند عدم الشرط فظاهر الآية يقتضي أنه متى لم يحصل هذا الظن لم يحصل جواز المراجعة، لكنه ليس الأمر كذلك، فإن جواز المراجعة ثابت سواء حصل هذا الظن أو لم يحصل إلا أنا نقول: ليس المراد أن هذا شرط لصحة المراجعة: بل المراد منه أنه يلزمهم عند المراجعة بالنكاح الجديد رعاية حقوق الله تعالى، وقصد الإقامة لحدود الله وأوامره. اهـ.

.قال القرطبي:

جاء عن عمر بن الخطاب في هذا الباب تغليظ شديد وهو قوله: لا أُوتي بمحلِّل ولا محلِّل له إلا رجمتهما. وقال ابن عمر: التحليل سفاح؛ لا يزالان زانيين ولو أقاما عشرين سنة. قال أبو عمر: لا يحتمل قول عمر إلا التغليظ؛ لأنه قد صح عنه أنه وضع الحدّ عن الواطئ فرجًا حرامًا قد جهل تحريمه وعذَره بالجهالة؛ فالتأويل أولى بذلك، ولا خلاف أنه لا رجم عليه. اهـ.

.قال البقاعي:

ولما كان الدين مع سهولته ويسره شديدًا لن يشاده أحد إلا غلبه وكانت الأحكام مع وضوحها قد تخفى لما في تنزيل الكليات على الجزئيات من الدقة لأن الجزئي الواحد قد يتجاذبه كليان فأكثر فلا تجردها من مواقع الشبه إلا من نور الله بصيرته عطف على تلك الماضية تعظيمًا للحدود قوله: {وتلك} أي الأحكام المتناهية في مدارج العظم ومراتب الحكم {حدود الله} أي العظيمة بإضافتها إليه سبحانه وتعالى وبتعليقها بالاسم الأعظم {يبينها} أي يكشف اللبس عنها بتنوير القلب {لقوم} فيهم نهضة وجد في الاجتهاد وقيام وكفاية {يعلمون} أي يجددون النظر والتأمل بغاية الاجتهاد في كل وقت فبذلك يعطيهم الله ملكة يميزون بها ما يلبس على غيرهم {أن تتقوا الله يجعل لكم فرقانًا} [الأنفال: 29] {واتقوا الله ويعلمكم الله} [البقرة: 282]. اهـ.

.قال الفخر:

قوله تعالى: {وَتِلْكَ حُدُودُ الله} إشارة إلى ما بينها من التكاليف، وقوله: {يُبَيّنُهَا} إشارة إلى الاستقبال والجمع بينهما متناقض وعندي أن هذه النصوص التي تقدمت أكثرها عامة يتطرق إليها تخصيصات كثيرة، وأكثر تلك المخصصات إنما عرفت بالسنة، فكان المراد والله أعلم أن هذه الأحكام التي تقدمت هي حدود الله وسيبينها الله تعالى كمال البيان على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، وهو كقوله تعالى: {لِيُبَيّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44]. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وأما قوله: {وتلك حدود الله يبينها} فالبيان صالح لمناسبة المعنى الحقيقي والمجازي؛ لأنّ إقامة الحدّ الفاصل فيه بيان للناظرين.
والمراد {بقوم يعلمون}، الذين يفهمون الأحكام فهمًا يهيئهم للعمل بها، وبإدراك مصالحها، ولا يتحيلون في فهمها.
{وَتِلْكَ حُدُودُ الله يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}.
الواو اعتراضية، والجملة معترضة بين الجملتين المعطوفة إحداهما على الأخرى، وموقع هذه الجملة كموقع جملة: {تلك حدود الله فلا تعتدوها} [البقرة: 229] المتقدمة آنفًا.
و{وتلك حدود الله} تقدم الكلام عليها قريبًا.
وتبيين الحدود ذكرها للناس موضحة مفصلة معللة، ويتعلق قوله: {لقوم يعلمون} بفعل {يبينها}، ووصف القوم بأنهم يعلمون صريح في التنويه بالذين يدركون ما في أحكام الله من المصالح، وهو تعريض بالمشركين الذين يعرضون عن اتّباع الإسلام.
وإقحام كلمة لقوم للإِيذان بأن صفة العلم سجيتهم وملكة فيهم. اهـ.

.قال الألوسي:

{يُبَيّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} أي يفهمون ويعملون بمقتضى العلم فهو للتحريض على العمل كما قيل أو لأنهم المنتفعون بالبيان، أو لأن ما سيلحق بعض الحدود منه لا يعقله إلا الراسخون، أو ليخرج غير المكلفين. اهـ.

.قال السعدي:

يقول تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا} أي: الطلقة الثالثة {فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} أي: نكاحا صحيحا ويطؤها، لأن النكاح الشرعي لا يكون إلا صحيحا، ويدخل فيه العقد والوطء، وهذا بالاتفاق.
ويشترط أن يكون نكاح الثاني، نكاح رغبة، فإن قصد به تحليلها للأول، فليس بنكاح، ولا يفيد التحليل، ولا يفيد وطء السيد، لأنه ليس بزوج، فإذا تزوجها الثاني راغبا ووطئها، ثم فارقها وانقضت عدتها {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا} أي: على الزوج الأول والزوجة {أَنْ يَتَرَاجَعَا} أي: يجددا عقدا جديدا بينهما، لإضافته التراجع إليهما، فدل على اعتبار التراضي.
ولكن يشترط في التراجع أن يظنا {أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} بأن يقوم كل منهما، بحق صاحبه، وذلك إذا ندما على عشرتهما السابقة الموجبة للفراق، وعزما أن يبدلاها بعشرة حسنة، فهنا لا جناح عليهما في التراجع.
ومفهوم الآية الكريمة، أنهما إن لم يظنا أن يقيما حدود الله، بأن غلب على ظنهما أن الحال السابقة باقية، والعشرة السيئة غير زائلة أن عليهما في ذلك جناحا، لأن جميع الأمور، إن لم يقم فيها أمر الله، ويسلك بها طاعته، لم يحل الإقدام عليها.
وفي هذا دلالة على أنه ينبغي للإنسان، إذا أراد أن يدخل في أمر من الأمور، خصوصا الولايات، الصغار، والكبار، نظر في نفسه، فإن رأى من نفسه قوة على ذلك، ووثق بها، أقدم، وإلا أحجم.
ولما بين تعالى هذه الأحكام العظيمة قال: {وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ} أي: شرائعه التي حددها وبينها ووضحها.
{يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} لأنهم هم المنتفعون بها، النافعون لغيرهم.
وفي هذا من فضيلة أهل العلم، ما لا يخفى، لأن الله تعالى جعل تبيينه لحدوده، خاصا بهم، وأنهم المقصودون بذلك، وفيه أن الله تعالى يحب من عباده، معرفة حدود ما أنزل على رسوله والتفقه بها. اهـ.

.أسئلة وأجوبة:

.سؤالان: فإن قيل: ما الحكمة في إسناد النِّكاح إلى المرأة دون الرجل فقال: {حتى تَنْكِحَ زَوْجًا}؟

فالجواب: فيه فائدتان:
إحداهما: ليفيد أنَّ المقصود من هذا النكاح الوطء، لا مجرَّد العقد؛ لأن المرأة لا تعقد عقد النكاح، بخلاف الرجل؛ فإنه يطلِّق عند العقد.
الثانية: لأنَّه أفصح، لكونه أوجز.
فإن قيل: فقد أُسند النِّكاح إلى المرأة في قوله عليه الصَّلاة والسَّلام: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ» وإنما أراد العقد.
فالجواب: أن هذا يدلُّ لنا؛ لأنَّ جَعْلَ إسناد النكاح إلى المرأة، والمراد به العقد، يكون باطلًا، وكلامنا في إسناد النِّكاح الصَّحيح. اهـ.

.سؤال: فإن قلت ما معنى لعنهما؟

قلت معنى اللعن على المحلل لأنه نكح على قصد الفراق والنكاح شرع للدوام وصار كالتيس المستعار والتيس هو الذكر من الغنم وقد يستعيره الناس لاستيلاد الغنم واللعن على المحلل له لأنه صار سببا لمثل هذا النكاح والمتسبب شريك المباشر في الإثم والثواب.
أو المراد من اللعن إظهار خساستهما.
أما خساسة المحلل فلمباشرته مثل هذا النكاح بدليل قوله عليه السلام: «ألا أنبئكم بالتيس المستعار» وأما خساسة المحلل له فلمباشرة ما ينفر عنه الطبع السليم من عودها إليه بعد مضاجعة غيره إياها واستمتاعه بها لا حقيقة اللعن إذ هو لا يليق بمنصب الرسالة في حق الأمة لأنه عليه الصلاة والسلام لم يبعث لعانا. اهـ.

.سؤال: لم خص العلماء بهذا البيان؟

الجواب: إنما خص العلماء بهذا البيان لوجوه:
أحدها: أنهم هم الذين ينتفعون بالآيات فغيرهم بمنزلة من لا يعتد به، وهو كقوله: {فِيهِ هُدًى لّلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2]، والثاني: أنه خصهم بالذكر كقوله: {وملائكته وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وميكال} [البقرة: 98] والثالث: يعني به العرب لعلمهم باللسان، والرابع: يريد من له عقل وعلم، كقوله: {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ العالمون} [العنكبوت: 43] والمقصود أنه لا يكلف إلا عاقلًا عالمًا بما يكلفه، لأنه متى كان كذلك فقد أزيح عذر المكلف، والخامس: أن قوله: {تِلْكَ حُدُودُ الله} يعني ما تقدم ذكره من الأحكام يبينها الله لمن يعلم أن الله أنزل الكتاب وبعث الرسول ليعملوا بأمره وينتهوا عما نهوا عنه. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.قال ابن القيم:

حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في المطلقة ثلاثا لا تحل للأول حتى يطأها الزوج الثاني:
ثبت في الصحيحين: عن عائشة رضى الله عنها، أن امرأة رفاعة القرظى جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، إن رفاعة طلقنى، فبت طلاقى، وإنى نكحت بعده عبد الرحمن بن الزبير القرظى، وإن ما معه مثل الهدبة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لعلك تريدين أن ترجعى إلى رفاعة. لا، حتى تذوقى عسيلته ويذوق عسيلتك».
وفى سنن النسائى: عن عائشة رضى الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «العسيلة: الجماع ولو لم ينزل».
وفيها عن ابن عمر، قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يطلق امرأته ثلاثا، فيتزوجها الرجل، فيغلق الباب، ويرخى الستر، ثم يطلقها قبل أن يدخل بها؟ قال: لا تحل للأول حتى يجامعها الآخر.
فتضمن هذا الحكم أمورًا.
أحدهما: أنه لا يقبل قول المرأة على الرجل أنه لا يقدر على جماعها.
الثانى: أن إصابة الزوج الثانى شرط في حلها للأول، خلافا لمن اكتفى بمجرد العقد، فإن قوله مردود بالسنة التي لا مرد لها.
الثالث: أنه لا يشترط الإنزال، بل يكفى مجرد الجماع الذي هو ذوق العسيلة.
الرابع: أنه صلى الله عليه وسلم لم يجعل مجرد العقد المقصود الذي هو نكاح رغبة كافيا، ولا اتصال الخلوة به، وإغلاق الأبواب، وإرخاء الستور حتى يتصل به الوطء، وهذا يدل على أنه لا يكفى مجرد عقد التحليل الذي لا غرض للزوج والزوجة فيه سوى صورة العقد، وإحلالها للأول بطريق الأولى، فإنه إذا كان عقد الرغبة المقصود للدوام غير كاف حتى يوجد فيه الوطء، فكيف يكفى عقد تيس مستعار ليحلها لا رغبة له في إمساكها، إنما هو عارية كحمار العشرين المستعار للضراب؟. اهـ.